الثلاثاء، 2 مارس 2010

ماذا يحدث في أجسامنا عند سماع نكتة ؟

ما تأثير النكتة على أجسامنا؟

تعد النكتة أحد الفنون ذات القيمة الجمالية، لذلك فردّ الفعل الحركي لها هو الضحك، الذي يحرِّك خمس عشرة عضلة في الوجه. من الناحية الصحية، تفيد هذه التجربة الجمالية الجسم في إمداد الدم بالمزيد من الأكسجين وتقليل هرمونات التوتر وتقوية مناعة الجسم. لكن هذه التجربة الجمالية هي خطرة بمقايس كثافتها، حيث إنها قد تودي إلى إصابات جسيمة بالعضلات أو حتى الوفاة في حال زيادة كثافتها عن المعدل الطبيعي!

بهذا الطرح، فإن الضحك عبارة عن تجربة جمالية تنساق من الداخل إلى الخارج،أي من متعة ذهنية صرفة يعبر عنها برد فعل حركي يعرف بالضحك وذلك خلافاً لتجربة التمتع بمشاهدة لوحة فنية جميلة مثلاً، حيث تنساب المتعة الجمالية من العين إلى الدماغ، أي من الخارج نحو الداخل.

وكانت أُولى محاولات تفسير النكتة سيكولوجيا بإمضاء عالم النفس فرويد مؤسس المدرسة التحليلية؛ ففى دراسته المعنونة (النكتة واللاشعور)، يري أن النكتة إحدى الوسائل الدفاعية اللاشعورية، التي يعتمد عليها الإنسان لمواجهة الضغوطات الناجمة عن العالم الخارجي، مثلها مثل سائر الوسائل الدفاعية الأخرى؛ تحاول أن تجد نوعًا من التوازن النفسي، وإخراج الدوافع والطاقات.


قال الكاتب البريطاني جورج أوريل عن النكتة السياسية أنها " ثورة مصغرة ومحاولة لقهر القهر ". وهي التي توصف بعمق دلالتها وكونها تمثل رسائل هائلة المعنى ، أو قد تتبادلها ضد بعضها كنوع من الأسلحة المتاحة .


ومن أساسيات النكتة الجيدة أن تكون مفاجئة ومختصرة وتتضمن تركيبة ذكية. وحين يبتكر شخص ما نكتة فورية (أثناء الحديث مثلاً) فهذا يعني انه امتلك في لحظة وجيزة أربع صفات عقلية هي: الذكاء، والادراك اللغوي، وسرعة البديهة، وفهم ردود الآخرين!!
أما الطرف الآخر (المتلقي) فيجب أن يتحلى بقدر معقول من الذكاء والادراك اللغوي لفهم آلية النكتة، فالذكاء والمعرفة ضروريان لفهم المفارقة (وإلا غدا كالحمار الذي ضحك ثاني يوم) في حين ان الادراك اللغوي مهم لفهم مغزى التلاعب بالألفاظ (فالجديد على لغة ما لا يفهم نكتة من قبيل: صعيدي جلس على قهوة.. أحرقته)!
والنكتة الجيدة قد تضم عدة مواقف ودلالات - كأن تكون مضحكة ولكنها ساخرة ومهينة في نفس الوقت-، وصاحب الذكاء الضعيف قد لا يميز إلا عنصراً واحداً ولا يشغل باله بالدلالات الباقية، فقد لا يلاحظ مثلاً أن السخرية والتشفي هما العنصر الأبرز في تعليق أحدهم: (إنه ليس نحيفاً وحسب، بل بإمكانه النظر من ثقب الباب بعينيه الاثنتين).. وفي المقابل يتطلب تعليق كهذا خيالاً واسعاً وذكاء في التركيب - وحين تأتي من طفل نضيف إليها عنصراً ثالثاً هو انفتاح الشخصية والنضج الاجتماعي..
وانتشار نسبة النكتة في بلد ما تشير إلى طبيعة الشعب والمزاج السائد فيه، فأول ما لفت انتباهي (في أول زيارة لي لمصر) مهارة رجل الشارع في ابتكار النكتة والمزايدة عليها مما يدل على ارتفاع مستوى "الذكاء الاجتماعي العام" والانفتاح بين الأفراد..
أما من الناحية الطبية فقد اتضح أن تضرر الفص الأمامي الأيمن من المخ يمنع المريض من فهم مغزى النكات المعقدة. وهذا أمر له دلالته الطبية لأن النكتة - كما قلنا - خليط من تراكيب لغوية ونفسية وعقلية بارعة، وحين يتضرر الجزء المختص من المخ يختل تركيب النكتة (لغوياً أو ذهنياً) فتصبح غير مفهومه بالنسبة للمصاب!!
وأذكر أن فريقاً من جامعة تورنتو الكندية قد توصل لهذه النتيجة (حسب الرياض 99/4/2) بعد دراسة ردود الفعل على نوعيات مختلفة من النكات (شفهية ومكتوبة ومباشرة ومعقدة). وكان أكثر من نصف المختبرين من المصابين نفسياً أو المتضررين في أدمغتهم. وقد اتضح ليس فقط علاقة النكتة بالذكاء، بل وأيضاً بشخصية الفرد ومعدل وعيه ومستوى ثقافته!!
..
من الأقوال المشهورة لرائد الفلسفة الفرنسية ديكارت "أنا أفكر إذاً أنا موجود".. وبتحوير بسيط يمكن القول:
أنا انكت، إذاً أنا ذكي وأتفاعل مع الآخرين! منقول


معظم الدراسات التي تناولت الفكاهة بالتحليل ظلت تفتقر إلى الفكاهة, بل إن بعضها كان مغرقًا في ثقل الظل, لكن هذا المقال يحاول أن يتناول الضحك, تحليليًا, ولكن بمرح!

كان هيروقليطس وديموقريطس, وهما من فلاسفة اليونان القديمة, يسيران معًا ويشاهدان سخافات الناس, فيضحك أحدهما ويبكي الآخر, فالاثنان يخرجان عواطفهما المكبوتة وانفعالاتهما في صورة تبدو وكأن أحدهما عكس الآخر. لكن الضحك كالبكاء وأحيانا ينقلب الضحك إلى بكاء والبكاء إلى ضحك, وما يفعله الفيلسوفان على اختلافهما في رد الفعل ضروري, لكنني أعتقد أن الضحك في بعض الأحيان وإزاء بعض المواقف أفضل من البكاء, وخاصة للرجال, وعندما كنت أعمل بالطب النفسي حاولت أن أصنع ارتباطا شرطيا عند بعض المرضى الحزانى مع الضحك عند حدوث المشاكل, فكنت أنصح المريض بأن يضحك من مشاكله وسوف يجد ما يضحك عليه طويلاً فالمشاكل هي لب الحياة وعمودها الفقري وقد خُلق الإنسان في كبد. كما أنني كنت أطلب من المريض المكتئب أن يجمع النكات والفكاهات والطرائف التي يسمعها أو يقرأها في كشكول كبير, ثم بعد ذلك يحاول أن يصنع صنيعها وينسج على منوالها.

تعتبر النكتة أول علاج للاكتئاب في العالم

دراسات حديثة عن نشاط المخ بينما الإنسان يضحك: هناك دليل على أن الفصوص الأمامية مسئولة عن النكتة والفكاهة بينما تشارك مناطق المخ والتحكم الحركي في تنفيذ الاستجابة الطبيعية للضحك, مثل القهقهة والاستلقاء على القفا من الضحك, وضرب كف بكف, وفتح الفم وتوسيع الأشداق.

في عام 1999 تم عمل دراسة تحليلية لمرضى بتلف في الفصوص الأمامية اليمنى حيث تتجمع معطيات الانفعال والمنطق والإدراك الحسي, وجد أن هؤلاء المرضى لا يستطيعون اختيار موضوعات الفكاهة ويجدون صعوبة في التحكم في مسارها وعادة ما يختارون الفكاهات الأكثر سخافة ومنافاة للعقل والأسلوب الكوميدي الرخيص, وتأتي الدعابة عادة خشنة رخيصة متدنية. صنع النكتة والضحك عليها يعتمد على وظائف المخ العليا.

هل هناك علاقة بين إلقاء نكتة من إنسان والضحك عليها من قبل آخرين? هل هناك علاقة بين الفكاهة والضحك, وهل الفكاهة هي سبب الضحك? لاحظ بعض الباحثين أن من يلقون النكات على المستمعين يضحكون أكثر منهم ربما لكي يجعلوهم يضحكون بالعدوى, فالضحك بلا شك عدوى كما أن بعض الباحثين في علم النفس أقروا أن الفعل يسبق الانفعال فالإنسان يضحك على النكتة بمجرد إلقائها لأنه مهيأ لذلك قبل أن يستوعبها, كما أننا نضحك على النكات السخيفة والنكات القديمة التي سمعناها كثيرًا من قبل, والضحك قد يكون بسبب آخر غير النكتة التي ألقيت قبل الضحك مباشرة, فلربما كانت النكتة بمنزلة العامل الحفاز. أما السبب الحقيقي للضحك فهو التفاعل الاجتماعي, بدليل (الإنسان لا يضحك وحيدًا وإلا اتهم بالجنون) وعندما تكون وحيدًا قد تتحدث بصوت مرتفع لكنك لا تضحك بصوت مرتفع والنسبة بين ضحك الإنسان مع آخرين وضحكه وحيدًا هي 30 : 1
فالضحك ليس استجابة غريزية فطرية للفكاهة كالإجفال عند الألم والرعشة عند البرد ولكنه شكل من أشكال الارتباط الاجتماعي الغريزي تقدح الفكاهة زناده.

يقول المثل الشعبي المصري (الضحك من غير سبب قلة أدب) القراءة التجريدية للمثل لا تدعو لمنع الضحك, وإنما تدعو لاختلاق سبب للضحك, أي صنع موقف فكاهي من مواقف الحياة الصعبة ثم بعد ذلك يضحك الإنسان كيفما شاء, وفي صنع الموقف الفكاهي إعمال للعقل وتنشيط لخلايا المخ وتغيير الحالة النفسية من الاكتئاب للبهجة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق